
زياد الرحباني.. حكاية موسيقار ثائر "طَوَّر فيروز ونقلها إلى جيل جديد"
حققت مسرحيات الفنان اللبناني الراحل زياد الرحباني نجاحا وانتشارا واسعا.
بيد أن الجانب الموسيقي استأثر بجزء كبير من أعمال "العبقري" الذي توفي السبت عن 69 عاما، وتجلى ذلك خصوصا بمساهمته في "تجديد وتطوير" والدته فيروز، بحسب خبراء ومواكبين لمسيرته.
فمنذ أن بدأ سليل العائلة الرحبانية الموسيقية والمسرحية مسيرته الخاصة على الخشبة عام 1973 مع "سهرية"، برزت موهبته، وكان انتقاله إلى مسارح بيروت "حدثا ثقافيا وضع شابا صغيرا في رأس قائمة المسرحيين في لبنان"، على ما قال المسرحي والناقد والكاتب عبيدو باشا الذي ربطته به صداقة منذ سنوات، وتعاون معه في أعمال عدة.
وإذا كانت "نزل السرور" عام 1974 تنبأت في رأي كثر بالحرب التي اندلعت في لبنان بعد سنة واحدة، ومزقته بين 1975 و1990، فإن الأعمال التي تلتها خلال هذه الحقبة، وهي "بالنسبة لبكرا شو؟" (1978) و"فيلم أميركي طويل" (1980) و"شي فاشل"(1983)، كانت الأنجح في مسيرته، وتحوّلت ظاهرة مجتمعية عابرة للانقسامات.
فمَن لم يتسنَ له حضور هذه الأعمال في الشطر الغربي من بيروت، حيث كان زياد الشيوعي الهوى يقيم، بسبب انقسام العاصمة اللبنانية حينها بين طَرَفَي النزاع، استمع إلى تسجيلات لها على أشرطة كاسيت كانت منتشرة بكثافة.
وكان سكان بيروت الشرقية الموالون للمعسكر السياسي والعسكري المواجِه للأحزاب اليسارية، يحفظون نصوص هذه المسرحيات عن ظهر قلب.
لكنّ العملين المسرحيين الوحيدين بعد انتهاء الحرب، وهما "بخصوص الكرامة والشعب العنيد" (1993)، و"لولا فسحة الأمل"(1994)، لم يرقيا إلى المستوى نفسه من النجاح. و لم يقدّم الراحل أي جديد على الخشبة منذ نحو 30 عاما.
"الموت الأول"
ورأى الإعلامي زافين قيومجيان الذي كان قريبا من الرحباني وأجرى معه مقابلتين كبيرتين، إحداهما على "تلفزيون لبنان" (الرسمي) عام 1998 والثانية عبر تلفزيون "المستقبل" عام 2018، كانت الإطلالة الأولى للمؤلف الموسيقي والمسرحي على الشاشة منذ سنوات، أن "الموت الأول لزياد كان في نهاية الثمانينيات، عندما مات حلمه، وكل ما بعد هذه المرحلة كان ظلالا فحسب لزياد.
فهو رجل إبداع وفكر، وبعد الثمانينيات انكسر حلمه لبنانيا، وعالميا مع سقوط الاتحاد السوفيتي".
ولاحظ عبيدو باشا أن "كل مسرحيات زياد كانت قائمة على هجاء أعمال عائلته، أي والده عاصي وعمه منصور وأمه فيروز. لذلك، عندما ابتعد آل الرحباني عن المسرح، توقف هو عن تقديم أعمال" على الخشبة.
ولكن مع انكفاء زياد مسرحيا، "بقينا أمام أحد الموسيقيين الكبار في لبنان والعالم العربي والعالم"، في رأي باشا الذي أضاف "إذا سئلت هل كان زياد مسرحيا أم موسيقيا، أجيب فورا بأنه موسيقي أكثر".
ولاحظ قيومجيان أن من أهم إنجازات زياد "العبقري والمبدع "، أنه "نقل والدته من جيل إلى جيل إلى جيل، وأسهم في تجديدها، ولولاه لما كانت فيروز ربما تمثّل ما تمثّله اليوم".
وأشار إلى أنه "الوحيد الذي تجرأ على كسر أسطورة آل الرحباني فكان الثائر عليها من قلب البيت وجاء ليطورها (...) لأن كل ما لا يتجدد يموت".
"غير مادي"
واعتبر كثر أن الأغنيات التي لحّنها الراحل لفيروز في التسعينيات أحدثت انعطافة جديدة في مسيرة "سفيرة لبنان إلى النجوم"، على غرار ألبومات "كيفك أنت" الذي شكّل في رأي كثيرين محطة مفصلية في مسيرة فيروز مطلع العقد الأخير من القرن الماضي، و"مش كاين هيك تكون" وصولا إلى "إيه في أمل"، آخر ألبوم موسيقي بين الابن ووالدته.
وسخر زياد في أغنياته كذلك من الواقع الاجتماعي في لبنان كما في أغنية "أنا مش كافر"، وشكّل ألبومه "هدوء نسبي" بصمة مميزة في عالم الجاز.
وكان الراحل بحسب باشا "مثقفا كبيرا (...) وكان شخصا غير مادي لا يهمه المال إطلاقا. كان استثنائيا بمعرفته وفي تدوير هذه المعرفة لصالح الفن والثقافة".
وفكّر الرحباني "في آخر مراحل حياته في أن ينفذ مشاريع عالمية في أوروبا، ولكن لم يتسن له ذلك، وكان يرغب حتى بالانتقال للعيش فيها"، على قول قيومجيان.
وتأثر النشاط الفني للرحباني في سنواته الأخيرة بمشاكل صحية بدأ يعانيها، وقال في مقابلات إعلامية إنه لم يكن ينام لأكثر من ساعتين يوميا، ما انعكس سلبا على صحته.
وإذا كان وفق ما وصفه قيومجيان "أيقونة ثقافية" من "سلالة فنية مَلَكية"، و"أحد الرموز القليلة التي سيبقى اسمها وتأثيرها القوي قائما لوقت طويل جدا"، فإن "الكبار من هذا النوع لا يموتون"، في نظر عبيدو باشا، "بل يمضون إلى وادي النوم، حيث ينام الكبار".