الفرق بين " التمثيل المشرف " والتمثيل علينا !
منذ صغري و أنا أعلم أن الأولمبياد بطولة تجمع جميع شعوب العالم المحبة للسلام ، أكبر تجمع كوني للابطال كل أربع سنوات، والرمز الشهير لهذه الفاعلية العالمية هي مجموعة الدوائر المتشابكة تعبيرا عن القارات الخمس التي تلتحم معاً وفي الوقت نفسه يتنافس أبطالها علي الالعاب ليقف في النهاية على منصات التتويج الأقوى والأعلى والأسرع . و جرى العرف أن تحشد كل دولة امكانيتها لتدريب واعداد أبطالها من الدورة للدورة حتي تقدم أفضل ما لديها ليرتفع علمها ويعزف نشيدها الوطني وتفوز بالذهب وسط تصفيق واعجاب الملايين بابطالها في المضمارالاوليمبي الكبير .
و أعرف أيضا من صغري أن التمثيل في الاولمبياد هو في حد ذاته شرف كبير للابطال و للبلد نفسها و له طقوس واجبة و شروط يجب اتباعها واحترامها ومن هذه الطقوس أن يقيم جميع المشتركين في المدينة الأولمبية حيث يتعايشوا معا و يتدربوا و يأكلوا و يشربوا و يتبادلوا التحية و يقيموا صداقات يحتفظون بها في ذاكرتهم ، وربما يعلم العديد من هؤلاء الابطال انهم لن يحصلون جميعا على ميداليات ، ولكنهم يشاركون للتمثيل المشرف لبلادهم ، وفي العادة ترسل الدول أفضل وأكفأ ما لديها ليكونوا واجهة مشرفة لبلادهم في الشكل والاداء والاخلاق والثقافة ونموذج لحضارة وتقدم شعوبهم .
و قطعاً ، فإن تمثيل أي دولة في الأولمبياد يحتاج الي ميزانية ضخمة لتوفير اطقم المدربين والمعدات و الأجهزة و الرعاية الطبية وامكانات السفر والإقامة والزي الموحد ، و كلما كانت البعثة كبيرة كلما كانت الميزانية أكبر،، و يبدو أن هذه النقطة بالذات لم يستوعبها ويحسب حسابها المسئولون عن اللجنة الأولمبية المصرية التي تكونت من ١٢٢ رياضياً في مختلف اللعبات ، وهذا عدد كبير ، بخلاف الإداريين و " القلاضيش" واللي رايحين يتفسحوا !. وكان من المثير للسخرية ان يتباهى السيد وزير الرياضة بأن الدولة أنفقت علي اللاعبين ١٣٠ مليون جنيه مصر أي تقريبا مليون جنيه علي كل لاعب أو تقريبا ١٠٠ ألف دولار لكل لاعب في ٤ سنوات يعني ٢٥ ألف دولار لكل لاعب في السنة ! ، ولا أظن أن هذا المبلغ يصنع أبطالا أولمبيين ولا حتى ابطالا لنادي بولاق الدكرور ، و لكن الحجة الحكومية والتبرير العقيم دائماً جاهز "اليد قصيرة و العين بصيرة"! .
بالذمة .. هل هذا كلام يدخل العقل ؟!.. هل هذه ميزانية تصنع أبطالاً وترفع علم الدولة في أي محفل دولي مرموق ؟! وانا أقول هذامع علمي بظروفنا واوضاعنا المالية ، و لكن لو ميزانيتنا ١٣٠ مليون جنيه فقط لارسال بعثة اوليمبية ،، لماذا نصمم علي إرسال ١٢٢ لاعب و لاعبة؟ لماذا لا نكتفي ب٥٠ لاعب متميز يمكنهم بالفعل تشريف مصر أمام العالم و خصوصا أن السيد الوزير توقع ان تحصل مصر علي ٨ ميداليات !.. وحتى كتابة المقال حصلنا علي ميداليتين فقط يعني ربع ال٨ التي كان ينتظرها معالي الوزير!.
و السؤال الذي يطرح نفسه: من المسئول عن اختيارالبعثة الأولمبية؟ ، ومادور المجاملات الشخصية والعشوائية في الاختيار ؟.. ومن المسئول عن ارسال لاعبة في رياضة الرمح تخرج تماما بسهمها من دائرة لوحة الهدف؟! يعني بصراحة كان ممكن أرمي انا الرمح وأحصل علي نتيجة أفضل !! ،ولا أتصور أن أن نرسل فريق نسائي لكرة طائرة الشاطئ (beach volley-ball ) و نقبل ان نكون فرجة امام العالم بزي معقد ومقيد وغير مريح ، وانا هنا لا أنتقد ارتداء الحجاب او الزي المحتشم فهذه حرية شخصية ، و لكن أرفض أن نرسل فريقاً للعبة لايصلح معا هذا الزي الذي ستكون نتيجته الفشل في تحقيق اي انجاز علاوة على ان نصبح اضحوكة العالم ! ، كيف نلعب على الشاطئ بزي شتوي يصلح فقط للزيارات العائلية ؟! . كان يجب ان نقرر قبل ان نسافر الى ريو ماذا نريد ؟ ، هل نريد المنافسة الرياضية أم ارسال بعثة للدعوة الدينية أو لتسجيل مواقف سياسية شخصية مثيرة للشفقة والسخرية ؟!. وماحدث من لاعب الجودو اسلام الشهابي حين رفض مصافحة منافسه الاسرائيلي الذي فاز عليه بصورة مذلة امام العالم ، كان خير دليل على ضياع الرؤية وضحالة الهدف وضآلة اللاعب المصري الذي ارسلناه ليفضحنا امام العالم بجهله حتى بأبسط قواعد اخلاق الرياضة التي يمارسها !.
وحتى لاتتكرر مهازل مشاركاتنا في الفعاليات الدولية ، فإننا يجب ان نصارح أنفسنا ، هل نريد منافسات ومشاركات دولية تفصيل على مقاسنا ، أم نريد ان نكون جزءا من هذا العالم المحترم المتحضر الذي نشاهد ابطاله وهم يمثلون بلادهم بمنتهى الفخر والاناقة والرقي والجمال في ريو دي جانيرو ؟
إنني كمواطن مصري ، أعرف اننا قادرون على تحقيق المعجزات وأن مصر بكل تاريخها وبدورها العظيم " القديم " في الحضارة الانسانية قادرة على صناعة المستحيل ، ولكن هذا يتحقق فقط بالوعي والارادة والتخطيط وبالخيال الابداعي وبمعرفة ماذا نريد ؟ .. وكيف نصل الى مانريده ؟ ، والاهم هو ان تقوم على ذلك ادارة غير فاسدة تتحلى بالثقافة والكفاءة وأن نحاسبها اذا فشلت ، وأن نقيلها فوراً ، اذا - كما حدث - قصرت رقبتنا أمام العالم !.
هناك فرق بين " التمثيل المشرف".. والتمثيل علينا، والتمثيل بنا ، .. كما حدث في ريو !.