أي مواطن يمر علي طرق مصر بدون استثناء سوف يصدمه القبح والفوضى البصرية العارمة بسبب هجوم الإعلانات من كل شكل ولون والتي أخذت أحجاما لا مثيل لها في أي مدينة بالعالم !.
و أصبحت الطرق السريعة والبطيئة محجوبة تماما بسبب اللافتات الإعلانية الفجة والمتوحشة المزعجة التي تخاصم الذوق والجارحة للعين !.
إعلانات عند المفارق و فوق العمارات و علي الكباري و تحت الكباري و علي الواجهات و علي الأوتوبيسات و سيارات التاكسي و إعلانات في الحدائق والميادين والشوارع الرئيسية والجانبية والحواري !.
وفوضى الاعلانات في مصر تطاردك في كل مكان حتى على باب بيتك وشقتك ، وانت عليك كمواطن مقهور مغلوب على أمره ان تقبل وتستسلم وتتعايش مع هذا القبح ولا تسأل من المسئول ؟.. ولمن تشكو ؟.. وهل تملك في الاساس " رفاهية الشكوى "من مشكلة لا تعترف بها الحكومة،بل هي المسئولة عنها وهي التي قننت واسست دولة العشوائيات .. وكله بالقانون !.
الحكومة لاتعرف أو لاتعترف بأن فوضى الاعلانات وخاصة اعلانات النيون المتحركة التي تشوش على قادة السيارات مسئولة عن العديد من الحوادث المميتة ، ولاتعرف أو لاتعبأ بحقيقة أن هذا الكم الهائل من الاعلانات على الطرق يخطف انظار السائقين ويحجب عنهم إشارات المرور و أسماء الطرق و تحذيرات المطبات والمنحنيات والتقاطعات .. فتقع الحوادث !.
وانا شخصيا سافرت الى العديد من مدن العالم غنية وفقيرة ، متقدمة ومتخلفة فلم اجد مدينة بهذا الكم من الإعلانات العشوائية الغبية !
و لاحظوا أن أغلبية الاعلانات على الطرق وفي المدن المصرية تقع في ٣ مجالات رئيسية:
١) البرامج التليفزيونية
٢) المنتجعات السكنية
٣) المنتجات الغذائية والوجبات السريعة
ولا توجد في الغالب اعلانات عن مصانع اومنتجات أو صادرات نفخر بأنهامصرية ونتباهى بأنها بأيدي المصريين ، معظمها اعلانات استهلاكية او دعاية للقنوات التليفزيونية ونجومها .
وأعلم جيدا أن هذه الإعلانات تجلب للحكومة، للمحافظات أوللشركات التابعة للجيش (بحسب الجهة التي يتبع لها الطريق) أموالا كثيرة من الإيرادات فمتوسط سعرالإعلان على الطريق يتجاوز ال ٢٠ الف جنيه شهريا و بعضها يصل الي ٥٠ الف، يعني المحصلة كبيرة ، و لا أريد و لا أدعو للتخلي عن هذه العائدات ، و لكن قطعا هناك طرق أخري يمكن الاستفادة بها من عقود الاعلانات مع الشركات المعلنة بدون تلويث المدن والطرق بهذا العار والعوار الاعلاني الذي يصدم كل زائر أجنبي لهذا البلد .
وإذا تناولنا كمثال "محور المشير "الذي يربط القاهرة الجديدة بمدينة نصر ، وإذا وضعنا فقط في كل ٢ كيلو متر لافتة اعلانية واحدة لاحدى الشركات تعلن فيها أن هذه المسافة ( أو المنطقة) تحت رعاية الشركة بالكامل ، من زراعة الجزيرة الوسطي و صيانة ونظافةالطريق الخ .. مقابل الاعلان وسداد الفرق بموجب اتفاق مع الجهة المسئولة . ومثال آخر .. نعطي لشركة معلنة عن منتجع سكني احدى الحدائق العامة ترعاها من زراعة و صيانة و توعية زوارها و حراستها الخ .. فيطلب الأطفال يوم الجمعة من أهلهم أن يذهبوا الي حديقة "بورتو" أو حديقة "شيبسي" او حديقة قناة سي بي سي الخ.. .
ان من يسافر الي مدن تشبه القاهرة في زحامها يري حدائق ترعاها شركات و تضع فيها أجهزة للتمارين الرياضية و بحيرات صناعية و أماكن مخصصة لمن يريد أن يمشي و من يريد ركوب العجل. وهذا التفكير والتخطيط لمدننا ليس رفاهية ولا لخدمة شرائح بعينها من الشعب ، ولكنه سلوك حضاري وعنوان لاي بلد يحترم سمعته ومواطنيه ، وهو حق على الدولة لكل مواطن بلا استثناء .
وبهذه الاسلوب فإن ما ينفق علي الاعلانات ، سوف يوجه مباشرة لخدمة المجتمع، .. يخلق وظائف و يوفر مولدات الكهرباء التي توضع تحت كل يافطة إعلانية و يوفر الطاقة المطلوبة لتشغيل المولد ، ويحمي المواطنين من مخاطر التلوث جراء انبعاثات المولد ، كما انه قبل كل شئ سوف يوقف نزيف الدم في حوادث الطرق الناتجة عن التنافس المحموم لاعلانات الطرق لخطف انظار السائقين ولفت انتباههم .
ان رؤساء المدن وعواصم العالم يتنافسون علي تجميل مدنهم في المناسبات الكبرى ، فباريس بدأت في تركيب زينة موسم عيد الميلاد (الكريسماس )منذ الان و تتجمَّل المدن سنة بعد سنة بالحدائق و الورود .. روما و لندن و برلين ودبي و أبو ظبي ومراكش وحتى كوالالمبور ونيروبي ، و لكننا هنا في القاهرة و السويس و أسوان و الأقصر و المنصورة نتفنن في القبح بالاعلانات ،.. نخلع الأشجار و ندهن التماثيل التاريخية بطلاء رخيص ، و ننحت تماثيل هزلية ، يسخر العالم منا و المحافظون و رؤساء الأحياء في غيبوبة ، لا يرون ولا يسمعون .. ولا حياة لمن تنادي !.