(2) ياعالم فوقوا !

أصدر البنك المركزي في الأيام القليلة الماضية قرارات جديدة لعرقلة الاستيراد أمام الشركات المستوردة بدعوى أن  هذا لترشيد إستهلاك الدولار و توفيره للسلع الإستراتيجية و هذا أمر يمكن تفهمه من محافظ البنك الذي يتحمل مسؤولية صعبة و هي إدارة الخزينة المصرية للوفاء بالالتزامات الداخلية و الخارجية. والحقيقة أنها  مسؤولية شاقة و" دمها ثقيل" لأن الواضح من المشهد العام أن العبء كله يقع علي أكتاف البنك المركزي و كأن البنك المركزي هو كل الحكومة!.
الغريب في الأمر أن الحكومة لم تقلق إزاء هذا القرار رغم أنه قرار مزعج وخطر  لأنه سيضع الحكومة في موقف حرج مع فئات مختلفة من الشعب وأيضا مع مستثمرين مصريين و أجانب.. لماذا؟
لأن منع الاستيراد أو عرقلته سيتسبب -في أفضل الظروف- في الآتي:
1) ستغلق شركات صغيرة و متوسطة قائمة علي الاستيراد و التوزيع وبالطبع فإن غلق الشركات يعني إيرادات أقل الضرائب والأسوأ من هذا هو تشريد آلاف العاملين في هذه الشركات.
2) سوف نرى أن  المولات و المراكز التجارية العملاقة التي تم الاستثمار فيها من قبل مستثمرين مصريين و أجانب تغلق أبوابها بسبب عدم وجود بضائع و هذا يعني تشريد آلاف العاملين و البائعين و الموزعين و السائقين و الوسطاء و المحصلين و الإداريين و غيرهم من الذين يعملوا في تجارة التجزئة.
3) إختفاء الكثير أو معظم السلع المستوردة سيجعل الطلب يزيد علي البضاعة المحلية الرديئة  أو الجيدة وهو الأمر الذي سيشعل  الأسعار بطبيعة الحال و ستصبح الجودة رفاهية لأن أي سلعة مهما كانت رديئة ستباع!.
4) إختفاء الكثير من الأغذية التي وصفتها حكومتنا بأنها “سلع إستفزازية” سوف يدفع الأغنياء الذين كانوا يستطيعون شراء المستورد أن ينافسوا الفقراء  في السلع و المواد و المأكولات المحلية وهذا بالطبع سوف يتسبب في مزسد من الأزمات والإختناقات وبالتالي إرتفاع الأسعار بصورة جنونية !.
5) سوف تتهالك  السيارات و وسائل النقل مرة أخري كما كانت في السبعينات و تستهلك مزيدا من الوقود و الزيوت بسبب عدم وجود قطع غيار وبالتالي سيزداد التلوث في مصر.!
6) ستغلق أيضا بعض المصانع التي يدخل  في صناعاتها جزء كبير من المواد المستوردة و طبعا سيتم تشريد عمالها.
لهذه الأسباب و أكثر أستغرب عدم قلق الحكومة. و يبدو من مبالاتها أنها ببساطة لا تعمل شيئا لتفادي آثار هذه الإجراءات "التقشفية "الضارة  بالإقتصاد القومي. فإذا كان المحافظ يريد إطفاء حريق عدم  توفير الدولار من خلال منع الاستيراد فيجب علي الحكومة أن تفهم أن هذا حل وقتي جدا و لن يطول لأنه مع الوقت ستتزايد إحتياجاتنا الدولارية لأننا شعب يزيد كل عام ٢ مليون نسمة ، والحكومة أيضا لا تري أي مشكلة في هذه الزيادة السكانية بدليل أنها لا تفعل شيئاحيالها !.
وكنت أتمني أن تتحمل الحكومة مسئوليتها و أن تدرك أن الحل ليس مع محافظ البنك المركزي بل مع الوزارات المختلفة التي تضع السياسات:
1) كيف تشجع الحكومة الاستثمار الأجنبي المباشر؟ هل لدينا قانون إستثمار جاذب؟ أم أننا أساتذة فقط في بهدلة المستثمرين وتهديدهم كل يوم بالنائب العام و النيابة و المحكمة؟
2) كيف تشجع الحكومة السياحة؟ و هناك من يبحث عن الراقصة "المحتشمة"  و علي المطربة التي ترتدي “الزي الائق” بناءا علي تعليمات نقيب الموسيقيين ، ومازلنا نرعب ونهدد  السائح الذي يصور بدون تصريح ، أو يسير في الشارع " على حريته مع زوجته " ؟! .. واضح أن حكومتنا عاوزة تعلم السياح العفة بدلا من البحث عن طريقة تجعلهم ينفقون أموالهم من العملات الصعبة في مصر !.
3)  كيف تشجع الحكومة التجارة و كل منشأة تجارية لديها دفاتر منتظمة تعامل كأنها تسرق الضرائب و يتم ضربها بطرق  منهجية وبمطالبات جزافية لأضعاف أضعاف ما يجب سداده؟
4) كيف تشجع الحكومة المصدرين و هم يعاملوا كأنهم لصوص و تبتزهم كل أجهزة الدولة لأنهم "مصدرين"؟!
5) كيف تشجع الحكومة المصريين في الخارج علي جلب مدخراتهم الدولارية الي مصر؟
إذا .. الحل الوحيد الباقي أمامنا لتعظيم مواردنا الدولارية هو التوسل والتسول .. فهل هذا كل ما نملك ؟!
يا سادة .. أن الحل ليس في الحد من الاستيراد و لكن في تعظيم إيراداتنا من الدولار، يا سادة .. إفتحوا المجال  لا تغلقوه،  يا سادة.. فوقوا لأن الوقت ليس في صالحنا،   يا سادة ..إظبطوا أولوياتكم في الصرف و في المشاريعبيعوا أراضي، بيعوا إقامات، ورخصا ،  يا سادة.. لن تتوقف الساعة.. فوقوا!

التعليقات