هؤلاء متهمون بالقتل..!
هذا بلاغ لمن يهمه الأمر!
وهذا اتهام علني وصريح لوزير التعليم العالي وللمجلس الأعلى للجامعات بالقتل!..
نعم.. إنهم جميعاً متهمين بارتكاب أكبر جريمة في حق شبابنا من صفوة خريجي أكبر جامعات العالم، .. يقتلون طموحهم ويجهضون أحلامهم أو يخنقوهم ويطفشوهم من البلد!
ورحلة عذاب الخريجين العائدين بشهاداتهم العليا الرفيعة من أكبر جامعات العالم، تبدأ بسؤال: انت معاك شهادة إيه؟.. خريج كلية ولا معهد، وقد تنتهي بعدم اتمام الشهادة وتعطيل تعيين شاب في وظيفة محترمة بشركة عالمية وبالتالي وقف بدء حياته العملية وفي النهاية “سد نفسه وخنقه” ليزهق من البلد وينتظر أي فرصة ليهرب منها!
وقد عشنا في مصر زمناً كانت الدولة في الستينات “وما أدراك ما الستينات”، ترعى بنفسها النوابغ من أبناءها، ترسل البعثات الدراسية لأكبر جامعات أمريكا وأوربا، كانت ترصد الميزانيات وتعتبر أن الاستثمار في العقول هو أهم استثمار للمستقبل، وكان يعود لنا من الخارج كل عام علماء وخبراء في الاقتصاد والعلوم والفنون وفقهاء الدساتير والقانون.
ومع تراجع الاقتصاد، وتردي الاوضاع السياسية والاجتماعية والعلمية تراجع الانفاق على البعثات وعلى التعليم نفسه، وتوقف الاهتمام بارسال الطلاب للدراسة في الجامعات الكبرى، ثم تدهور الحال أكثر في السنوات الأخيرة مع انخفاض قيمة الجنيه، وخنق الجمعيات الأهلية (بالقانون الأخير). وكانت هذه الجمعيات البوابة الأخيرة الباقية لاعطاء المنح الدراسية لعدد قليل من الطلاب، ولكن رغم تراجع الدولة ولامبالاتها بإبتعاث الطلاب للدراسات المتخصصة والدقيقة بالخارج، إلا أن أعداد من يدرسون بالجامعات الأمريكية والأوربية ظل في ازدياد وذلك بسبب نمو التعليم الاجنبي في مصر وانتشار المدارس الدولية وحرص الأهالي على اعطاء الفرصة لأبناءهم ليكملوا رحلة تعليمهم العالي في الخارج. ورغم أن مشوار التعليم في أي جامعة أوروبية وأمريكية باهظ التكلفة ومرهق لأي أسرة مهما بلغ دخلها (متوسط التكلفة في الأربع سنوات لا يقل عن ٤ مليون جنيه) وهو رقم خيالي لا تحتمله أسرة تقوم على تعليم عدة أبناء.
ومع ذلك فإن كل هذا التعب يهون عندما يتخرج للأسرة إبنة أو ابن عائداً لبلاده بشهادة رفيعة في الهندسة أو الطب أو القانون أو الاقتصاد ومن أكبر جامعات العالم،.. هارفرد، اكسفورد، ستانفورد، السوربون، أو كيمبردج أو ليدز أو ميامي أو يال وشيكاغو، .. كم تكون فرحة الأسرة كبيرة، شعور رائع بالفخر والانجاز، هذه الفرحة تنطفئ فور بدء رحلة الروتين والعذاب لتوثيق الشهادة وترجمة الدرجات واعتمادها من المجلس الأعلى للجامعات، عذاب الشاب الباشمهندس العائد من أمريكا يبدأ عندما يصطدم - مثلا - بموظف يرفض أن يعتمد شهادته لأن “ معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا” معهد.. مش كلية!! الجهل وضيق الأفق وأقصى معرفة هذا الموظف عن التعليم هو أن “الكلية” أكبر من “المعهد”، مع ان معهد ماساتشوستس هو أكبر جامعة في العالم لدراسة الهندسة والتكنولوجيا الحديثة!.
ورحلة الاجراءات العقيمة تبدأ بترجمة شهادات الخريجين، وتوقيعات وأختام تستغرق وحدها أكثر من عشرة أيام، ولكن كل هذا لا يعني شيئاً فلابد أن يجتمع المجلس الأعلى للجامعات وتنبثق عنه لجنة تجتمع لدراسة كل شهادة على حدة للتأكد من أن هذه الشهادات “ تعادل شهادات الجامعات المصرية” ، وربما يكون هذا الاجراء ضروري من حيث الشكل للتأكد من الشهادات الضعيفة والمضروبة، ولكن لماذا يقوم المجلس الأعلى بنفس الاجراء مع كل الشهادات العالمية التي اعتمدها بنفسه من قبل مئات المرات لخريجي جامعات اكسفورد وكيمبردج أو كاليفورنيا ..؟! الشهادة هي نفس الشهادة والاجراء لا يستغرق دقائق، لماذا لا تطبق معيارا واحداً مع كل الشهادات المماثلة بدلا من أن تجتمع اللجنة كل مرة لتعتمد نفس الشهادة؟!
وربما لا يعرف معالي الوزير، والسادة الأفاضل بالمجلس الأعلى أن هناك شباب قد تضيع منهم فرصة حياتهم في التعيين بشركة كبيرة، أو يتعطل اداءهم للخدمة العسكرية في موعدها، أو لا يستطيعون استخراج رقم قومي مكتوب فيه الوظيفة أو الدرجة العلمية،.. قد تضيع سنة كاملة وقد يضيع منهم الحلم،.. ولكن المؤكد أن مايضيع أكثر هو الشعور بالانتماء للبلد، لأن هذا الشباب الذي تعتبره أي دولة ذخيرتها للمستقبل واستثمارها الثمين، ينتظر أقرب فرصة للسفر والعمل في بلد آخر يقدر قيمة علمه ويعرف قدر شهادته ويحترم كفاءته.
معالي الوزير.. أصحاب السعادة في المجلس الأعلى للجامعات .. أنتم تحرمون مصر من أغلى ماتملك!!.