هانتفرج .. ونضحك!

بعد إنتظار دام ٤ سنوات بدون مجلس نيابي ،  أخيرا جاء ما يسمي بالاستحقاق الثالث و هو الانتهاء من الانتخابات البرلمانية  ، و بغض النظر عن نسبة المشاركين في الانتخابات فإن الشعب انتخب بالطول أو بالعرض نوابه لمدة ٥ سنوات! .كوكتيل نواب من الأحزاب و  المستقلين و من الحزب الوطني المنحل و من العناصر المشبوهة تاريخيا. وبعد إعلان النتيجة تمنينا أن يبدأ كل النواب في التركيز علي أجندة تشريعية واضحة و علي استراتيجية رقابية جادة حتي لا يضيع وقت الجلسات و خاصة أن هذا البرلمان يتحمل مسؤولية غير عادية، ليس فقط في إقرار القوانين التي خرجت أثناء غياب البرلمان و لكن علي عاتقه مسؤولية جسيمة تتمثل في مراجعة جميع القوانين المصرية حتي تتماشي مع الدستور الجديد.
وفرح نواب الشعب بانتخابهم بالطبل و الزمر و نشرالمحدثون والمشتاقون كارنيهات عضويتهم بمجلس النواب علي صفحات التواصل الإجتماعي ثم بين يوم و ليلة قامت قيامة النواب الموقرين وبدأ التراشق والإتهامات والسب و نشر الفيديوهات و فرش الملاية، ورأينا مذيعين يهددون نواب الأمة ونوابا يهددون مذيعين واعلاميين يهددون اعلاميين و رؤساء أحزاب يتهمون رؤساء أحزاب آخرين و تكتلات تسب وتشوه تكتلات أخري و أحزاب تلعن في الكل ،.. و الناخبون مذهولون من المشهد، يضربون كفاً علي كف، ثم ظهرت الشماتة و السخرية علي وجوه كل من إمتنع عن التصويت عمداً!
مشهد مؤسف ومحزن،..  ولكنه كاشف وفاضح لما وصلت إليه أوضاعنا السياسية والحزبية من إنعدام للموضوعية والمهنية والمصداقية ، فهل هؤلاء المتراشقون و الرداحون الشتامون هم فعلا من سيمثلونا في مجس النواب؟ ! إن الواضح جدا أن السادة النواب يسعون بكل الطرق للمنافسة على رئاسة لجان البرلمان بكل الوسائل و أيضاً علي رئاسة المجلس و وكالته بكل الاساليب، وهذا الطموح أصبح للأسف غاية بذاته وليس وسيلة لاصلاح الأوضاع والتغيير للأفضل.  و رأينا ما يحدث عادة في كل برلمانات العالم التي ليست لديها أغليبة حيث تسعي لتشكيل  إئتلاف سياسي و رأينا آخرين لا يريدون الإلتحاق بهذا الإئتلاف و هو  أيضا موقف مشروع و لكن بدلا من العمل لتشكيل  ائتلاف اخر فوجئنا بسلوك يكشف  عن عجز سياسي فاضح فاختاروا إفشال الإئتلاف الصاعد من خلال حملات التشويه والاتهام بدلا من بذل الجهد لتكوين إئتلاف أقوي و أفضل.
هذه الممارسات غير السياسية لاتطمئنا علي مستقبل  الحياة السياسية في مصر وتجعلنا نشك فيما يمكن أن يقدمه هؤلاء النواب للشعب المصري ، وكم سمعنا هذه الأيام عبارة: “إحنا هانتفرج و نضحك"!، إن إحساس الناس يتزايد كل يوم بأنهم انتخبوا "سيرك قومي" ولكنه في الحقيقة سيرك لن يحمل لهم الا الكآبة والاحباط  وخيبة الأمل. والحقيقة اننا  الآن في وقت صعب  لا يحتمل ضحكات المهرجين السخيفة. ، نحن في وقت حرج لا يحتمل التلاعب بأحلام هذا الشعب الصابر، وما يشرعه هؤلاء النواب سيشكل مستقبل الوطن لسنوات قادمة و يجب علي هؤلاء النواب أن يكونوا علي قدر المسؤولية  ، وأنا شخصيا أعرف بعض من دخلوا هذا البرلمان بالصدفة و بدون أي إستحقاق أو كفاءة أو أمانة ولكنهم دخلوا و أصبحوا نوابا،وهذه النوعية لا سبيل أمامها إلا الاختيار بين أمرين:
إما الاستقامة أو التهميش و في الغالب سيهمشون لأن طبيعتهم تؤكد أنهم لايمكن أن يستقيموا أبدا.
ولا أملك كمواطن مصري – مازال لديه بقية من تفاؤل – إلا أن أتمني أن يتكاتف الجميع لإنجاح هذا البرلمان بما له و ما عليه، وعلي الإعلام أن يبتعد عن غريزة التسخين و التحريض و علي الأحزاب أن تحتوي أعضائها في المجلس و أن تهيئ لهم المناخ المناسب للعمل البرلماني الجماعي و أن يركزوا على ما هو إيجابي وعلي المستقلين أن يبحثوا عن بوصلة الاتجاه الصحيح داخل البرلمان و ألا يكونوا مثل الشوكة في الزور و أن يستغلوا إستقلاليتهم للتصويت لصالح المواطن وليس لمصالحهم ومطامحهم الشخصية وعلي الحكومة أن تبدأ  في تنفيذ القوانين فور أن يصادق عليها مجلس النواب حتي نتمكن من تقييم هذا البرلمان ، لأن مهما شرع هذا المجلس و مهما إجتهد فإذا الحكومة – في ظني -  لا تنوي تنفيذ مالا يعجبها من قوانين .. فلا فرصة في أي تغيير و لا قيمة أوسبب لوجود البرلمان.
بدون حكومة قوية وقادرة على وضع القانون موضع التنفيذ على أرض الواقع.
بدون هذا .. فإننا من المؤكد هانضحك .. إلى أن نموت في النهاية من فرط الضحك!!

التعليقات