فاسدون ويحاربون الفساد !
في كل يوم نسمع تصريحا لمسئول.. وزير أو رئيس وزراء أو رئيس دولة يندد بقوة بالفساد ويؤكد أنه سيضرب بيد من حديد و"بالقانون" على أيدي الفاسدين.
سمعنا هذا في كل العصور من عصر عبد الناصر إلى السادات ومبارك وحتى الآن. فماذا حدث؟! تأخذ مصر كل عام موقعا متقدما في قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم.. ويصبح الفساد في حياة المصريين "أسلوب حياة"! فلا يوجد مواطن في مصر يستطيع قضاء مصالحه بدون أن يدخل في مصيدة الفساد، فساد صغير وفساد كبير، وفساد من القاع حتى القمة.. وأشكال لا تحصى، فأي فساد ذلك الذي تقوم بمكافحته اللجنة الأخيرة التي كلفها رئيس الجمهورية،.. وهل حددت اللجنة أنواع وسلوكيات الفساد في مصر التي يجب أن تقاومها وأن تطهر البلاد منه.
إن أمثلة الفساد في مصر تبدأ من أصغر مصلحة حكوميةوأصغر موظف، ومن أي مكان قطاع عام أو خاص،.. من رشوة موظف الاستقبال في أي عيادة لتدخل إلى الطبيب متجاوزا دورك، إلى رشوة عسكري المرور وأي عسكري في أي مكان ليفسح لك مكانا في الشارع تركن فيه سيارتك في الممنوع.
من منا لا ينهي أي مستند حكومي (بطاقة، رخصة، شهادة، شهر عقاري، إستخراج صورة رسمية) بدون أن يدفع تحت الترابيزة في مرحلة من المراحل؟ هل هي هدايا أم فساد؟
من منا لا يسجل أولاده في مجموعات دروس خصوصية خارج نظام التعليم ليضمن له النجاح لأن المدرس فاشل ولا يتقن عمله داخل المدرسة؟ أليس هذا هو الفساد بعينه؟
ثم ننتقل إلى الفساد الأثقل و الذي نراه كل لحظة و في كل مكان: في كافيهات حلت أماكن جراجات و في عمارات تمت تعليتها وفي فلل تاريخية وأثرية تم هدمها رغم أنف القانون، وفي أراضي زراعية تحولت إلى منتجعات!... هل يجري كل هذا لوجه الله أو من منطلق المجاملة أم انه أحد صور الفساد برعاية راعي الفساد الأول في مصر.. المحليات؟
و\ لا يمكن أن نتحدث عن الفساد بدون أن نذكرتحريض الحكومة نفسها علي الفساد في معاملاتها مع الجمهور. فعندما تتلقى منشأة أو شركة من مصلحة الضرائب مطالبات بمبالغ عشوائية وجزافية لمجرد حفظ حق الحكومة في مراجعة الشركة... أليس هذا فسادا؟ أليس هذا تشجيع للممول أن يبحث عن فاسد بارع يخلصه من هذه الورطة؟
و أيضا في محاكمنا فساد وبالقانون، فأصبح التأخير غير العادي في إصدار الأحكام و الفصل فيها تحريضا للجمهور أن يبتعد عن القضاء لحل مشاكله التجارية و الشخصية بنفسه و بأساليب عشوائية و غير قانونية؟ أليس هذا فسادًا؟ و كم من الأحكام يمكن أن يفصل فيها بسرعة البرق لوضوحها و لكن يفضل القاضي أن يحيلها الي الخبير حتي لا يجتهد في قراءة القضية و خصوصا إذا كانت قضية تجارية، و طبعا تبقى سنوات بين الخبير و القاضي حتي يموت القاضي أو المحامي أو العميل. أليس هذا هو عين الفساد؟
إن العادي والشائع الآن أن يدفع المواطن ليحصل على حقه ويدفع أكثر ليحصل على ما هو ليس من حقه وكل شيء أصبح ممكنا و كل خدة بثمنها..، وهذا الأسلوب في الحياة جعل من المواطن المصري و علي مستويات مختلفة في أحسن الظروف مواطنًا متسولًا و في أسوأ الظروف مواطن فاسد! ويبقى السؤال.. ما هو الحل؟ هناك كثير من الدول تخلصت من الفساد ولكنها أولا توافرت لها الإرادة السياسية لتتخلص من هذه النقمة. فهل نحن نريد حقا أن نتخلص من الفساد؟! أظن أن هذه الإقتراحات ربما تفيد:
1) إرادة التخلص من الفساد. يجب أن تتوفر الإرادة، حكومة و شعبا و هذا يتحقق بالتوعية.
2) تفعيل الحكومة الالكترونية في جميع التعاملات و تقليل الإحتكاك بالجمهور.
3) إستعادة الثقة بين المواطن و الحكومة حتى لا تقوم كل جهة في مصر بدور رجل الشرطة.
4) مرتبات مناسبة لموظفي الدولة و خصوصا المتعاملين مع الجمهور.
5) الرقابة المستمرة و الشفافية في المصروفات الحكومية.
6) التخلص من القوانين و القرارات المطاطة المحيرة و مع الأسف لدينا منها تركة تقيلة تضم آلاف القوانين.. بدون تفعيل!!
إن التخلص من الفساد ليس مستحيلا، وربما لا يوجد في العالم شعب من الملائكة، ولكن هناك بالتأكيد شعوب تحترم القانون،.. قانون هشام جنينة، أو قانون مجلس النواب، أو قانون الرئيس،.. المهم أن يخضع الجميع للقانون وأن يطبق معيار واحد على الجميع بدون نفاق!!