من أنتم؟!

لو توقفنا لحظة عن النضال اليومي وصراعات الحياة الشاقة في مصر لنسأل أنفسنا: من نحن؟ أين نقف؟ وإلى أين نسير؟ تساؤلات صعبة وقاسية سوف تقودنا بالتأكيد إلى نتائج غير مريحة وغير مبشرة.
والاجابات الأولية على الأسئلة الصعبة في اللحظة الراهنة تقول أن المجتمع المصري "المريض" أصبح جزراً منعزلة، ورغم أن لدينا مئات الخبراء في تشخيص حالته وخبراء آخرين يملكون روشتة العلاج إلا أن المريض لا يشفى بل على العكس حالته تتأخر يوماً بعد يوم!
ورغم قيام ثورتين في أقل من 5 أعوام مازلنا مجتمعاً يعشق الخضوع للحاكم،ومازلنا نرضى بأن نقارن بدول متخلفة ولا نتطلع لأن نكون أفضل ممن سبقونا في العلم والحداثة والتطور ولانحاول حتى تقليد من عاشوا نفس ظروفنا ومشاكلنا ولهم تجارب ناجحة في التغلب عليها ! والغريب أن المسئولين ومن بيدهم القرار يعرفون كيف نجح الآخرون .. ومع ذلك يعيشون في غيبوبة تامة، الأمر الذي يجعلنا نسألهم: من أنتم؟ من أنتم يا من تشاهدون هذا الكم الهائل من القبح والقذارة والقمامة في كل بقاع مصر، وتشاهدون السياح والزوار والمستثمرين الأجانب يشتكون ويهربون، تتكلمون دائماً عن سبل العلاج وحل المشكلة ومع ذلك لا تتحركون خطوة واحدة لازالة هذا العار الحضاري الذي يلوث سمعة مصر ويشوه صورة المصريين بل ويهدد الملايين بالقتل البطئ!!.
في صحراء مصر الشاسعة التي تغطي 90% من مساحة  البلاد يمكنها استيعاب مئات المقالب والمصانع لتدوير القمامة، من أنتم يا من تملكون القرار ولا تشعرون بالخطر، تغطون في نوم عميق؟!
ومن أنتم .. يا من تشاهدون طرق مصر وشوارعها وقد امتلأت بالحفر والمطبات العشوائية القاتلة للبشر والمدمرة للسيارات، وماذا نقول عن المسئول الذي يصرح بأن وجود المطبات في الشوارع والطرق السريعة يقلل من الحوادث؟!
من أنتم.. يا من تسخرون من عقولنا وتعتبروننا شعباً من الأغبياء يصدقون جهلكم واستهانتكم بأراوح الناس؟! .. من أنتم يا من تعرفون المشكلة والحل ومع ذلك تتمادون في هذا الجهل والتجاهل؟!
من أنتم .. يا من تخططون قوانين وقواعد البناء المسموح والممنوع في ارتفاعات العمارات ومع ذلك تسمحون بانتهاك القانون وتشاهدون فساد المسئولين بالمحليات، .. تغضون البصر وتتواطئون حتى تقع الكوارث وتنهار العمارات ويموت الأبرياء تحت الأنقاض، .. من أنتم يا من تعرفون المشكلة والحل ولا تتحركون؟!
من أنتم يا من تشاهدون محنة المرور في شوارع مصر تتفاقم يوماً بعد يوم، وبدلاً من تطبيق القانون بحزم ومنع احتلال الشوارع وتحويلها لأماكن انتظار، تسمحون –على العكس- بتحويل الجراجات إلى محلات وكافيهات .. من انتم يا من تعرفون المشكلة والحل.. وتتركون الشعب يعاني من عذاب المرور والسير في شوارع محتلة لا أرصفة ولا إشارات أو أماكن لعبور المشاه؟!
من أنتم .. يا من تسمحون بهذا الكم الهائل من التلوث البصري باعلانات الطرق العملاقة التي تحجب الرؤية وتشتت السائقين وتحول طرق مصر إلى أسوأ وأقبح طرق في العالم..
من أنتم..  يا من تشاهدون الفوضى وتعرفون المشكلة والحل.. ومع ذلك تعطون التراخيص وتشاركون في الجريمة؟!
من أنتم .. يا من تتشدقون بضرورة تجديد الخطاب الديني وتتحدثون عن تحرير العقل ومواجهة التطرف وتتباهون بنصوص حرية الرأي والعقيدة في الدستور ومع ذلك تحكمون بقوانين غير دستورية وجاهلية على المفكرين والكتاب وتتهمونهم بازدراء الأديان؟! .. من أنتم يا من تدعمون محاربة الارهاب الفكري وفي الوقت ذاته تشجعون ذبح المفكرين؟!
من أنتم .. يا من تعلمون أن أكثر من 60% من اقتصاد مصر خارج النظام الضريبي، وبدلاً من العمل على دمجه في الاقتصاد الرسمي، تنشغلون بطرد الموجودين داخل النظام الضريبي وتطفيشهم؟!
من أنتم.. يا من تدمرون اقتصاد البلد بأيديكم وتتخذون قرارات تعرفون أنها تضع العراقيل أمام الجميع، وتسمعون بأذانكم شكواهم وتشاهدون خراب بيوتهم .. ومع ذلك تقفون مكتوفي الأيدي؟!
من أنتم.. يا من تعرفون أن مشكلة مصر المائية يمكن أن تحل جزئياً بترشيد الاستهلاك وبتطوير أنظمة الري، ومع ذلك تسمحون باهدار المياه في الري بالغمر.. وفي غسيل السيارات وري الحدائق والرش أمام المقاهي؟! .. من أنتم يا من تعرفون المشكلة والحل ولا تفعلون لوقف كارثة شح المياه القادم؟!
من أنتم.. يا من تعرفون وتقرأون حكايات اهانة المصريين في المصالح الحكومية وأقسام الشرطة، ومع ذلك تلجأون للإنكار والتكذيب!.. من أنتم يا من تصمتون عن هذه الممارسات مع أنكم عشتم عواقبها في 25 يناير 2011؟!
من أنتم .. يا من تدركون مأساة مصر في نظامها الادراي وبيروقراطيتها واجراءاتها العقيمة وسوء خدماتها وانعدام كفاءة موظفيها ، ومع ذلك تسمحون للغش والترهل والفوضى أن تستمر وتفشلون في إصدار قانون متوازن للخدمة المدنية ولا تقدرون على اقناع نوابكم بأهميته .. من أنتم يا من تتصرفون كأنكم في واد وبرلمانكم في واد آخر؟!
وأخيراً.. من أنتم يا من تشاهدون حالة الغضب تتزايد كل يوم وسخط كل القطاعات يتصاعد بسبب السياسات الفاشلة والصحة والتعليم والسياحة والزراعة والتجارة والاستثمار ومع ذلك.. لا تسارعون بالحل، ولا تلجأون لتغيير الوجوه والسياسات ولا تعتمدون على الكفاءات.. !!
من أنتم .. هل أنتم مصريون؟!!

التعليقات