"ثلاثية التخلف" في مصر
أي كلام في مصر عن الحداثة والتقدم، يصبح مجرد كلام لا طائل من وراءه، لغوا فارغا بدون معنى إذا لم نبدأ من حيث توقفنا، وإذا لم ننهض من حيث تخلفنا ومصر تخلفت وتراجعت على مدى نصف قرن لأنها فقدت عناصر الحياة الثلاثة بالنسبة لأي شعب وبدونها أي شعب يموت .. التعليم .. الثقافة .. العمل.
المصريون .. لايتعلمون لا يتثقفون .. لا يعملون منذ نصف قرن
1- التعليم: نحن تقريباً نملك أسوأ نظام تعليم في الكرة الأرضية، أغلب من يتخرجوا من مدارسنا وجامعاتنا يجهلون اللغات الرياضيات والتاريخ والفنون والأدب .. وحتى اللغة العربية، أما الدين فهم يجهلونه أو يدرسونه بمناهج تكفيرية كارثية.
وهذا الانهيار في التعليم وراءه تخلف في المناهج وفي المدرسين وانهيار للمباني التعليمية وتدني أساليب التعليم!
2- الثقافة: وانا أعتبر أن ثقافة أي شعب تسبق عمله وإنتاجه وكفاءته ومهاراته، وأقصد بالثقافة هنا ليس الاطلاع على الفنون والآداب وتذوق الفنون المختلفة (فالشعب فقدها منذ زمن طويل) ، ولكن أقصد ثقافة قبول الآخر والتعددية، ثقافة الحياة العائلية الصحية، إحترام الخصوصية، ثقافة العطاء والخدمة العامة والمشاركة، ثقافة الحوار والاختلاف ثقافة النظافة والحفاظ على الملكية العامة.. كل هذا تراجع أو تدهور أو غاب تماماً عن حياتنا، تراجعت ثقافة الشعب فانهارت أخلاقه، وسادت العدوانية والبلطجة وثقافة الصوت العالي و "حقي بدراعي" بدلاً من التسامح والتفاهم والتعاطف والحوار واحترام الآخر.
3- العمل: للأسف فإن ثقافة العمل والانتاج تراجعت من بعد ثورة يوليو 1952، ورغم البدايات المبشرة إنتهى الأمر في النهاية أن المصريين تعودوا أن يأخذوا بدون مجهود، يتعلم ويتخرج من الجامعة ثم يجد الوظيفة والمرتب والسكن أحياناً .. بدون مجهود!، الدولة تحولت إلى ماما وبابا والشعب إلى قطاعات من التنابلة الكسالى ينتظرون بلا تعب الترقية بالأقدمية والعلاوة السنوية .. والمنحة يا ريس!!
والمشكلة أن الحكومات المتعاقبة لم تفعل شيئاً لتغيير الصورة أو تعديل هذه الأوضاع المقلوبة، كنا نسمع دائماً عن خطط وبرامج ولكننا كنا ننحدر من قاع إلى قاع، هل تتذكرون ملاحم خطط تنظيم النسل الفاشلة في وقف الانفجار السكاني؟!
من السادات إلى مبارك .. نصف قرن من الفشل حتى وصلنا 90 مليوناً.. وبعد 20 عاماً 130 مليوناً، بدون خطط مستقبلية تقول أين سيعيشون، وكيف سيتعلمون ويعملون ويعالجون!
كيف تستطيع أي دولة أن تضع خططاً للتعليم أو للثقافة أو العمل والحد من البطالة وسكانها يتكاثرون بهذه العشوائية؟!
هل كان من المستحيل على أي حكومة سابقة تنفيذ خطة خمسية أو عشرية لوقف الانفجار السكاني؟! نحن نعرف أن أي حكومة تستطيع .. ولكنها كانت دائماً خائفة ومرتعشة من رجال الدين والمؤسسات الدينية التي تضع قضية تنظيم النسل في خانة الحرام والحلال!
إن مستقبل الأجيال القادمة لا يمكن أن يكون معلقاً بيد مولانا أو أبونا! والشعوب الحية التي إمتلكت شفرة النهضة ومفاتيح الرخاء بدأت بثلاثية التقدم .. "العلم والثقافة والعمل"،.. وضعت رجال الدين في دور العبادة، ثم خاضت معارك العصر بشجاعة الفكر وإرادة التغيير.