الخوف على مصر من.. "المصريين"!
اسمحوا لي أن أرفض واستنكر "إلى حد القرف" المستوى المتدني والفوضوي والعبثي للحوار الذي دار بين المصريين في فضاء التلفزة والصحافة والفضاء الإليكتروني حول قضية "تيران وصنافير"!.
ولن أتحدث و"أفتي" في الخلاف حول هوية الجزيرتين لأنني شخصيا لم أطلع على وثيقة مؤكدة بإنتمائهما لمصر أو للسعودية، ولا أستطيع – وسط هذه الفوضى – ووسط هذا السيل من الخرائط والوثائق التي يدّعي أصحابها أنها الأصح والأصدق، أن أتبنى وجهة نظر قاطعة حول إلى من تنتمي الجزيرتان !.
ولكن.. ما يفزعني ويحزنني وسط هذه العاصفة الهوجاء أننا أصبحنا شعب مستقطب ومنقسم أمام كل أزمة ، وفي كل شيء!.. نحن شعب مستقطب دينيا، فهناك المسلم الذي يعتبر مسلما آخر ناقص الإيمان، وهناك مسيحي لا يصوم فيعتبره المسيحي الصائم ناقص الإيمان! وهناك السياسي الذي ينتمي إلى تيار أو حزب أو إتجاه والذي يعتبر أن الآخر – إما جاهل أو مضلل أو منحرف سياسيا.
والمصريون الآن منقسمون بين الوطني، والخائن، والعميل، والطابور الخامس، والإرهابي، والإخواني، والسلفي الرجعي.. والإرهابي الحمساوي، والإرهابي الداعشي والمطبلاتي والفلول والممول من الخارج.. !
مصر الآن ليست شعبا واحدا بل شعوبا وفصائل وقبائل كلها تشك في بعضها وخائفة من بعضها ومتحفزة ومتربصة لبعضها.. والأسباب عديدة بعضها مزمنة قديمة وبعضها مستحدثة جديدة:
1. إنعدام الثقة بين الشعب والسلطة.. شعب غائب وسلطة مغيبة!
2. نحن نجهل تاريخنا فلا نفهم حاضرنا ولا نعرف طريقا لمستقبلنا.
3. نحن نخاصم الثقافة ونكره الكفاءة والإجادة ولا نسعى للعلم والمعرفة .
4. نحن لا شيء يميزنا.. لم يعد لدينا ما نفخر به ونتباهى به كشعب بين الأمم.. فقدنا الثقة في أنفسنا .
5. أصبحنا نقارن أنفسنا بمن هم أسوأ وأدنى منا (إحمدوا ربنا إن مصر مش اليمن أو سوريا وليبيا والعراق) ولا مجال لأن نقارن أنفسنا بشعوب نعتبرها في كواكب أخرى.. ألمانيا.. الدنمارك.. السويد.. أسبانيا!
6. الإحساس المريض بعدم الرضا عن أي شيء، كل شيء سيء وقبيح وناقص، الشكوى المزمنة والنقد والهجوم العدواني والرغبة الدموية في تجريح الآخر وتشويهه! لم نعد نرى أي شيء إيجابي، نبادر بالرفض قبل الحوار والآخر دائما على خطأ!
المصريون يعيشون – في ظني - محنة هوية وأزمة وجودية، و تعيش مصرلحظة إنهيار للمثل العيا والقيم السامية، لحظة غياب عن الوعي وفقدان للذاكرة.. كأنها بلد بلا تاريخ ولا حضارة.. مصر الآن "رجل مريض" يحتاج إلى علاج وإعادة تأهيل نفسي وتاريخي وإجتماعي وأخلاقي وتعليمي،.. نحن لا نواجه عدوا خارجياً، العدو في داخلنا، صنعته السلطة والحكومات المتعاقبة، والحرب طويلة.. والدواء مر!!