"الإدارة بالعواطف" .. وكيف تتخلف الأمم ؟!

 

"بالروح والدم نفديك يا زعيم"، الهتاف الخالد من الشعب لكل رئيس عربي في الميادين !. والزعيم العربي في العادة يكون خطابياً حماسياً.. عاطفياً، فتبادله الجماهير عاطفة بعاطفة وهتافاً بهتاف، ولأنه عاطفي وقلبه طيب وخايف على البلد، فهو لا يمكن أن يخطئ، ودائما "إحنا وراك.. وإخترناك"وهو إذا خطب صفقنا، وإذا قال لنا إسكتوا صمتنا أو اتكتمنا، فلماذا نتكلم نحن بينما هو يعبر عما في داخلنا، وماذا نقول إذا كان كل مايقال قد قيل(على رأي الزعيم عادل إمام)!
تعودنا في دولنا العربية على أن الادارة تتم بالمشاعر والأحاسيس، وليس بمعايير الفشل والنجاح (KPI)، وهذا الأسلوب الذي تعودنا عليه منذ عشرات السنين هو أسرع طريق للموت البطئ والتخلف عن ركب العصر. وحتى لا يكون كلامي عمومياً وشاملاً لكل العرب، فإن تجربة دولة الإمارات العربية كانت لها خصوصية أخرجتها من السياق  العربي التقليدي عندما حرصت دبي بالتحديد على تطبيق معايير الجودة والنجاح بالتخطيط المدروس.
وحتى نشعر بالفرق بين "الإدارة بالعواطف" و"الإدارة بالعلم"، يكفي أن نقارن بين خطاب مسئول كبير في دولة متقدمة وخطاب مسئول في دولة عربية أو  في دول العالم الثالث (أصبح الآن سابع)، الفرق هائل وشاسع : 
الخطاب الأول: يحتوي على معلومات وحقائق وأهداف.. وكل كلمة بميزان حساس وكل معلومة بمنتهى الشفافية، وكل معنى محكوم بقانون، وكل خطاب يستلهم روح الدستور، الذي هو كتاب الأمة المقدس الذي يوحد بين عناصرها ويحتضن مكوناتها ويسير بها نحو آفاق المستقبل.
الخطاب الثاني: حافل بالعبارات الانشائية والاستطرادات  والحكايات الشعبية وقصائد الفخر بالماضي والأمجاد التاريخية، وبالمشاعر الوطنية الجياشة التي تؤكد  أننا الأقدم والأفضل والأقوى واصحاب الريادة والسيادة  الخ ..، وبين كل جملة وأخرى استشهادات دينية وإيحاءات صوفية، وأكيد هانعبر الأزمة بالتوكل على الله وببركة دعاء الوالدين!
إن الفرق بين هذا وذاك، ليس في مقدار الوطنية أو الشعور بالولاء وحب الوطن والخوف عليه، فكل مسئول أو زعيم لأي دولة هو وطني بالتأكيد، وكلهم مستعدون للتضحية بحياتهم من أجل أوطانهم، ولكن الفارق الكبير هو في مقدار إحترام الزعيم  للعلم والثقافة والخبرة والكفاءة والتخطيط ومدى ايمانه  بالعمل الجماعي وتقديسه للعمل الجاد والإجادة واحترام  القانون والإلتزام بالدستور.
والمهم هنا هو قياس وتقييم  التجارب والخطط ومدى النجاح في إدارتها بمعايير واضحة وشفافة، .. مثلاً :هل نجحت إدارة الرئيس السيسي لملف البطالة؟! وهل نجحت في ملف الأمن وحماية المواطن؟ .. هل نجحت في التعليم؟..
وإلى جانب معايير التقييم والقياس  هناك أيضاً ضرورة لوضع آليات "المحاسبة" التي لا يعبأ بها كثيراً المسئولون في عالمنا العربي، فإذا  تعرض مسئول لنقد أو فكر أن يحاسبه أحد، فلابد أن وراء النقد والناقد  "جهة أجنبية ما" أو أنه طابور خامس أو ممول أو متآمر يريد تعطيل مسيرة الانجازات!
ولم يحدث على مر التاريخ القريب في بلادنا أن خرج رئيس ليشرح  لشعبه أو يدافع عن قراراته وسياساته، ولا عرض رئيس أو ملك أو أمير  ذات يوم قضية وطنية أو سيادية لاستفتاء شعبي!.. فهل الشعب يعرف أكثر من رئيسه؟! .. وهل - كما قالت جدتي -  في حكمتها التاريخية :  " يابني .. هي الميه بتطلع في العالي ؟!"
التعليقات