المجتمع المدني.. الغائب!
قبل أن أكتب عن أهمية وجود مجتمع مدني قوي في مصر دعوني أؤكد ما أعنيه بمصطلح "المجتمع المدني". المجتمع المدني هو مجموعات منظمة ومؤسسات غير حكومية مستقلة تعتمد غالباً على متطوعين و كلها تقبل الاختلاف الفكري و الديني ولكنها تحترم قوانين الدولة القائمة حتى إذا كانت تسعى لتغيير بعض القوانين. .
وأحياناً تكون هناك مجموعات مذهبية متعصبة لفكرها و تسعي لتجنيد أعضاء لمنهجها مثل جماعة الأخوان المسلمين التي لا تقبل الاختلاف و التنوع، و هؤلاء لا يمكن اعتبارهم ضمن المجتمع المدني لأنهم لا يساهمون في تطوير الدولة، بل يسعون لتقويضها وبناء دولتهم على انقاضها !.
أما لماذا أنادي دائما بمجتمع مدني قوي، وأعتبر أنه الحل لأزمة الحكم في مصر؟.. السبب ببساطة لأن مصر تاريخها طويل مع الدكتاتورية التي رغم تمكنها و تملكها لكل مفاصل الدولة فقد ففشلت تماما في النهوض بالبلاد وتوفير متطلبات التقدم الحضاري والانتقال لمصاف الدول الحديثة . وأتصور ان الاهمية القصوي لبناء مجتمع مدني قوي وحيوي وفعال في مصر تأتي للاسباب الاتية:
أولا: أهم دور للمجتمع المدني في الدول التي تحاول أن تبني مجتمعاً متطوراً ديمقراطياً هو الدور الرقابي علي الحكومة و أجهزة الدولة و هذا دور الأحزاب سياسية و النقابات ..
ثانيا: من أهم أدوار المجتمع المدني السعي الي الحصول علي معلومات دقيقة و صحيحة و الكشف عن تجاوزات الحكومة و رجالهاوكشف وقائع الانتهاكات و الفساد. كما ان المجتمع المدني يقدم للبلاد نماذج للاساليب الحديثة من الحوكمة التي تضمن الشفافية و الكفاءة.
ثالثا: التوعية المجتمعية بصفة عامة هي مسؤولية المجتمع المدني خاصة المشاركة السياسية وتنمية دور المرأة و الشباب و التوعية بالحقوق و الواجبات. والتعريف بأساليب الحياة الحديثة من توفير الطاقة و المياه و احترام الطبيعة و الرفق بالحيوان و تحديد النسل، كل هذا من صميم مسؤوليات المجتمع المدني.
رابعا: مؤسسات و جمعيات المجتمع المدني لها دور محوري في نشر الثقافة و الانفتاح علي الثقافات الأخري و التبادل الفكري و الفني وتنمية الذوق العام فلا تنهض الشعوب بدون ثقافة.
خامسا: جمعيات و مؤسسات المجتمع المدني دورها هام جداً لضمان وصول الأصوات المهمشة إلى صناع القرار ، وأعني هنا جمعيات الكيانات الخاصة مثل الجمعيات النسائية و الشبابية أو الجمعيات الفئوية مثل المحاربين القدامى أو ذوي الاحتياجات الخاصة، هذه الكيانات تلعب هنا دور الوسيط بين مطالب الفئات و الحكومة.
وفي مصر جرى على مدى سنوات تحجيم المجتمع المدني تماما وحصاره باتهامات التمويل الأجنبي و اتهام بعض الجمعيات بالعمالة و التجسس ، ومع الأسف تم استبدال دور المجتمع المدني بالحلول الأمنية القمعية ، فإذا تظاهر بعض عمال مصنع لا نلجأ الي النقابات و اللجان العمالية للتفاوض و إيجاد حلول بل نلجأ فورا الي الشرطة و أمن الدولة ، و لو تحدث مثقف و لم ينل كلامه إعجاب رجال السلطة أو " حراس الدين "، نلجأ الي الحبس و لا نجد جمعية حقوقية تدافع عنه وعن حرية الرأي، ولو تشكك البعض في سد النهضة و أضراره فلا يجد الشعب جمعية مدنية مؤهلة لتوعية الشعب بأزمة السد و تداعياتها وأضرارها المتوقعة.. لماذا؟ لأننا نفتقد إلى مجتمع مدني قوي و فاعل و فعال في مصر. لدينا إعلام غير مؤهل في كل المجالات و محجوبة عنه المعلومات و لدينا مسؤولون في الحكومة لا يعلنون على الرأي العام أي معلومة صحيحة أو غير صحيحة.
والمجتمع المدني ضرورة ومن المهم جداً أن يتوسع دوره وألا يعتبر تهديداً للمسؤولين أو يصنف كقوى معارضة أو معادية ! ، فالمجتمع المدني هو الوسيط الذي يدعم فكرة المواطن الصالح المشارك والايجابي ويحيي المصداقية الغائبة حاليا بين المواطن و الدولة.
إن الدول الحديثة بما لديها من مشاكل معقدة ومزمنة لا يمكن أن تنهض بدون تمكين وتعزيز دور المجتمع المدني بكل عناصره وأطيافه.
وأي حكومة مهما كانت قوتها ستفشل اذا لم تشجع المجتمع المدني في مصر على التواجد والقيام بدوره الحضاري والتنموي والانساني.. وبدونه يصبح الكلام عن الدولة الحديثة ودولة الحريات والمواطنة عبث وشعارات فارغة!.