عذاب كل يوم برعاية الحكومة !
االحياة في القاهرة أصبحت شبه مستحيلة !. حقيقة يعانيها سكانها ويشعر بها كل انسان يزورها او يقترب منها . وصعوبة الحياة في العاصمة او في غيرها من مدن مصر ، ليس سببها الوحيد الزحام ، او فوضى الشوارع أو العشوائية والقبح الزي يطالعك في كل مكان ، ولكن - بكل أسف - فإن الحكومة بنفسها هي الراعي الأول لطلوع روح المواطن في مصر .
و هناك بالطبع من سيعارضني بالقول ان المواطن المنفلت الفوضوي الذي لايحترم القانون هو السبب ، ولكني أرد بأن المسئول الاول قبل المواطن هو الحكومة وفساد ادارتها وسماحها بالواسطة والرشوة والمحسوبية ، علاوة على عدم التزامها بالقانون وانتهاكها للقواعد التي وضعتها لتقديم الخدمات وتسهيل حياة المواطنين ، والاهم من كل هذا غياب العدالة والرقابة وإهانة المواطن وتبديد وقته وحرق اعصابه وسرقته علنا في كل مصلحة حكومية ، وكل هذا يسمى في أي بلد في العالم " الفساد الصغير " الذي هو الارض الخصبة للفساد الكبير واهدار المال العام وضياع الامم !.
وتعالوا ننظر ماذا يحدث للمواطن يومياً في المحروسة قاهرة المعز :
المرور : سيّء في كل مكان و في كل وقت (ماعدا العطلات الرسمية التي يهج خلالها جزء من السكان الى خارج العاصمة ) .
النظافة : كلمة غير موجودة ولا تعرفها العاصمة ، فالقمامة تغطي كل الاحياء بلا استثناء وبالاخص عندما تخرج من المناطق التي تعيش فيها الصفوة ويسكن فيها كبار المسئولين .
الضوضاء : بالمعايير العالمية فإن ضوضاء القاهرة هي السبب الاول في أمراض السمع والصداع وحزمة لابأس بها من الامراض النفسية والعصبية التي يعاني منها سكانها خاصة في قلب المدينة وفي حزام العشوائيات والاماكن كثيفة السكان والتي تنشر فيها المصانع الصغيرة والحرفيين .
التلوث : القاهرة من أكثر المدن تلوثا علي مستوي مدن العالم ، وخاصة تلوث الهواء المشبع بأعلى نسبة للرصاص المسبب لاخطر انواع السرطان .
القبح : سيد المناظر ، قبح العمارة و قبح الحدائق و قبح الاعلانات و قبح الأوتوبيسات و قبح التكاتك والميكروباص ، وقبح الازياء والالوان وغياب الذوق العام في كل شئ ، وساد القبح حتى أعتاده الناس ، فأصبحوا يرون القبح جمالاً وشياكة وموضة !.
وربما يقول البعض بأن هذا كله من أمراض المدن الكبري ، وأن أي محاولة للتغيير تحتاج الي ميزانيات ضخمة وكوادر وكفاءات، وأقول بأننا لانحتاج إلا إلى الرؤية والرغبة والارادة ثم الادارة الواعية الرشيدة ، وللاسف فنحن لا نمتلك الرؤية و لا لدينا الرغبة ، كما أن كبار الموظفين في الحكومة المسئولين عن الحفاظ على " كود " الذوق العام في الشوارع والمباني واعطاء تصاريح الاعلانات واللافتات والمنوط بهم حماية المواطن من الزبالة والتلوث والضوضاء ، هم في الاساس محرومين من نعمة الذوق ومن الحس الجمالي ويفتقدون لأي إحساس بالمواطن من الأساس ، بل ويعتبرون الكلام في هذه الموضوعات نوعاً من الرفاهية ! .
ان الحكومة تستطيع اذا ماتوفرت لديها ارادة تسهيل حياة مواطنيها وتخفيف الاعباء عنهم ، ان تضع خطة قصيرة المدى لوقف النزيف اليومي من اهدار المال والجهد وحرق الاعصاب وتضييع وقت الناس ، وذلك بإتخاذ سلسلة من الاجراءات التي من شأنها تسهيل العديد من الخدمات و الإجراءات الحكومية التي يحتاجها ملايين المواطنين في القاهرة يوميا ،سواء في المرور أو الصحة و السجل المدني و أقسام الشرطة و الشهر العقاري ومجمع المصالح بالتحرير، و إدارات الأحياء ، وهذه كلها " أماكن النكد " التي تحول الحياة في القاهرة الى عذاب يومي يستحق المصرييون بسببه دخول الجنة بلا حساب .
كم شباك عليك أن تمر عليه في المرور لتجديد رخصة؟ وكم من الإجراءات لحصول المواطن علي شهادة؟ كم من المعاناة يجب ان تتحملها في الشهر العقاري لعمل توكيل بسيط لبيع سيارة أو عقار؟ وكم من جهة في مصر لا تستطيع انهاء معاملة فيها بدون واسطة او توصية من فلان ؟، وكم جهة من المستحيل ان تقضي فيها مصلحة بدون ان تدفع رشوة أو أتاوة صارت بحكم العادة وكأنها قانون ؟!.
لماذا لا تعلن الحكومة مثلا عن " شهر لتسهيل الاجراءات " تحاول فيه ان تجرب تقديم الخدمات للمواطنين بأفضل طريقة وأسرع ، وقت ، ويكون هذا الشهر اختباراً للموظف الكفئ وللمواطن الذي يتبع التعليمات ولجهات الرقابة على الاداء والتقييم ويكون الاداء في هذا الشهر من بين معايير الترقي والمكافآت لموظفي المصالح المختلفة ، فتعلن وزارة العدل - مثلاً- أن عمل التوكيل في الشهر العقاري لن يستغرق اكثر من ١٠ دقائق ، ولو لديك واسطة سوف تحرم من عمل التوكيل في هذا اليوم ؟ ولماذا لا تعلن الادارات العامة للمرور ان تجديد الرخصة او اصدارها لن يستغرق اكثر من نصف ساعة ، واذا زاد عن هذا الوقت يحاسب الموظف المختص ويكون من حق المواطن الحصول على الرخصة بتكاليف أقل ؟
انا لا اريد ان اتهم الحكومة بأنها تتعمد تعطيل مصالح المواطنين ، ولا اريد ان اتهمها بالتواطؤ مع الموظف المرتشي والمدير الفاسد ، لماذا إذن تصر الحكومة على تعقيد الإجراءات ؟ هل لأن موظفيها بلا عمل حقيقي ،ووجودهم في الادارات الحكومية بهذه الاعداد المليونية وافتقادهم للكفاءة هو السبب وراء تعطيلهم لمصالحنا ؟ هل لأنهم يشعرون بأنهم عالة على المجتمع ويتقاضون مرتباتهم من ضرائبنا بديلاً عن إعانة البطالة ؟، أم ان الدولة تكره المواطن اساساًوتشعر انه عبء عليها ، فقررت أن تنكد عليه وتسود عيشته ونرفع ضغطه ، ربما يموت قهراً او كمداً وترتاح منه ويستريح منها ؟!
لماذا يجب أن أذهب الي الغردقة لسداد ضريبة علي منزلي هناك بدلاً من القاهرة؟ لماذا لا يمكن لابني أن يحصل علي بطاقة الرقم القومي بتعديل الوظيفة لحصوله على شهادته من جامعة كبيرة في الخارج؟ ألا تكفي ترجمة الشهادة والدرجات و توثيقها عوضاً عن قيام لجنة عليا من جامعة القاهرة بالبت في الموضوع بعد شهرين ؟، ألم تعرض عليها مئات الحالات المشابهة من قبل ؟!.
اين الحكومة الالكترونية المزعومة، وأين شعارات ميكنة الخدمات والشباك الواحد الخالد؟ لماذادائماهناك في كل ادارة ومع كل شهادة وطلب عبارة : "حيث أن" " وبما أن " و" لابد " وتعالى بكره ياسيد ! ، لماذاتصر الحكومة علي مشهد الطوابير الطويلة بما تحمله من من اذلال واهانة لكرامة وانسانية المواطن المصري ؟ ان العالم كله يتعامل الكترونيا في سداد الضرائب و تجديد الرخص وتجديد جوازالسفر وسداد الفواتير والحصول علي خط تليفون أوإنترنت. وفي بلاد عديدة منها فرنسا رخصة القيادة لمدى الحياة ، وهناك خدمات عديدة يمكن ان تقوم بها شركات خاصة وادارات مدنية مثل المرور والاحوال الشخصية ، لماذايجب ان يكونا المرور تابعين للشرطة ، ولماذا يكون الحج تابعاً للداخلية وليس لوزارة السياحة مثلا ، ولماذا يجب ان يحضر المواطن شهادة المعاملة العسكرية ليقود سيارة في بلده ؟
ان معظم مايعانيه المصريون في حياتهم اليومية سببه " الفساد الصغير "، والحكومة بيدها الحل اذا ماقللت من احتكاك الموظف المرتشي وعديم الكفاءة بالمواطن المغلوب على أمره ، تستطيع أن تمنع " السبوبة " وتبدأ ثورة ادارية حقيقية لو احترمت " المكنة " واستغنت عن الموظف الجاهل والفاشل !.