مجانين القاهرة الجديدة!
" من ذاكرة مقالات الكاتب راوي كامل تويج .. في انتظار اطلالته وعودة قلمه الوطني المحترم"
عندما قررت الانتقال من مصر الجديدة للسكن في التجمع الخامس إتهمني والدي – رحمه الله- بالجنون، فكيف أترك حي مصر الجديدة الحضاري الراقي لأقطن وسط الصحراء في مجتمع جديد مجهول المستقبل.. لا طرق، لا مرافق، لا خدمات؟ ، إلا أن القاهرة الجديدة قبل 20 عاماً كانت حلماً للمجانين المغامرين أمثالي بالحياة في بيئة عصرية نظيفة،.. وكان التخطيط المعلن لهذه المنطقة وقتها حافل بأحلام المساحات الخضراء والمناطق السكنية الحديثة بخدماتها والمراكز التجارية ومناطق الأعمال الحديثة، عالم خيالي منضبط، لا فوضى ولا قبح ولا عشوائيات .. وكان عمر هذا الحلم لا يزيد عن 20 عاماً هي عمر القاهرة الجديدة المدينة الصغيرة الحديثة التي سرعان ماكبرت وإمتدت وانفجرت وانتشر فيها القبح والفوضى بفعل القرارات غير المدروسة التي دمرت أخيراً ملامحها!
وزارة الاسكان سمحت بتعلية المباني دوراً إضافياً، وبعد التعلية إختنقت الشوارع والمحاور الرئيسية، وبالتالي أغلقت الأوتوبيسات قلب المدينة.. اختنقت المحاور صباحاً وعصراً، وإنفجرت مواسير المياه والصرف الصحي في كل شارع لم يكن مخططاً له استيعاب هذا العدد من السكان!
وإذا ذهبت الآن إلى القاهرة الجديدة سوف تشعر بالآسى لمذبحة الأشجار والنخيل ونباتات الجهنمية بألوانها الرائعة التي كانت تنتشر في أرجاء التجمع الخامس وأحياء القاهرة الجديدة وميادينها وحدائقها الممتدة على طول الطرق العريضة،.. والمذبحة تجري هذه الأيام في كل مكان حتى بتم استحداث حارات جديدة للشوارع التي لم تعد تحتمل البشر والسيارات!
والذي يحدث الآن في القاهرة الجديدة ، هو مثال لما يحدث في أحياء ومدن خارج القاهرة.. تخطيط عمراني طموح في البداية، ومهندسون مصريون بامكانيات عالمية، وتشريعات جديدة للمجتمعات العمرانية، وقرارات لمجلس الوزراء و.. و.. وفي النهاية فوضى
وأنا لا أعرف لماذا يكون هناك دائماً في بلدنا كما يقول المثل الشعبي "في كل خرابة عفريت"، فإما ان تكون مشكلة المشروع في:
- سوء التخطيط
- أو.. تخطيط جيد ولكن يترك وراءه مشكلة..
- أو.. تخطيط جيد وسوء تنفيذ.
- أو.. تخطيط جيد وتنفيذ جيد وغياب المتابعة والاهمال.
نعم نحن نبني .. ولكننا لا نعرف كيف نحافظ على ما نبنيه !
إن غياب ثقافة الجودة والمتابعة والصيانة تهدر على الدولة الملايين، وللأسف سيبقى الحال على هو عليه ، وتتكرر الأزمة في كل مشروع طالما نحن لا نعطي العيش لخبازه.. ومادمنا نعيش بشعار.. ياعم مشي حالك.. إسأل غفير ولا تسأل خبير!!
*القاهرة - ٢٤ مارس ٢٠١٨